نسمع كثيرًا عن مشاهير في السياسة والفن يحملون معهم حفنة من تراب أوطانهم في كيس صغير أينما سافروا وكيفما ابتعدوا..
ونسمع عن آخرين لا يستغنون عن بُنِّ قهوتهم العربية في أي مكان يقصدونه للسياحة أو العمل.
وغيرهم لا يعترف بغير زيه الوطني أينما قصد..!
بينما نجد على الجانب الآخر من المعادلة.. آخرين ينتعلون أحذية لم تلامس رمل أوطانهم قبل فراقها..
وينسجون ثيابًا لا تلائم حرّها ولا شمسها ولا حتى طبيعة شوارعها قبل مغادرتها!
ويبحثون عن نكهاتٍ جديدة بعيدًا عنها!
وبين أولئك وهؤلاء.. نكهة عربية لا تغيرها نكهاتُ الهند..
وسمرةٌ لا تلوّنها ثلوجُ سيبيريا.. وملامح شكّلتها رمال الدهناء.. ولهجةٌ صقلتها جبالُ الحجاز
بين أولئك وهؤلاء..
لسانٌ أنشد أول ما أنشد:
"سارعي للمجد والعلياء"
كفوف رفعت للمليك وللوطن بأصدق دعاء..
وجباهٌ سجدت على أطهر أرض في الدنيا
ومؤذنٌ صدح أن حيَّ على الصلاة.
لكي نرفع الـ"خفاق أخضر"
و نقارن بين ماكان.. وبين ماهو كائن
حمدًا لله حمدًا كثيرًا..
هذه الأرضُ تستحقُّ أن يصير لها تاج
معدنه طُهر أبنائها.. وأحجارهُ إنجازاتهم لها
هذه الأرض تستحق أن نرسم من أدق التفاصيل لها ثوبَ عروس
لتكون أبهى بلا ألوان زائفة..
ليكون عطاؤها أكبر.. وجمالها أكثر إبهارًا..
هي تستحق أن نميط الأذى عن الطريق
وأن نحسب ساعاتِ أعمالنا
وأن نؤلف بين قلوبنا حضرًا وبادية..
وأن نعلم أبناءنا الإيثار.. وحُبّ الجار..
هي تستحقٌّ أن نرى لونها في كل أوراقنا طيفًا.. فنكتب بصدق
وأن نشمَّ رائحة ثراها في شوارعنا.. فنحفظ أنظمتها
وأن نستشعر بأن الله خلقنا سعوديين.. وهذه نعمة
وأننا سعوديون نستوطن بلادنا.. وهذه نعمة
وأننا مُنحنا حقّ الاختيار والقدرة على العطاء باستمرار.. وهذه نعمة
وأن لنا أرضًا يحلمُ كل مسلم بأن تكونَ أرضه.. وهذه نعمة!
في أرضنا
عرفنا دائمًا كيف يكون الصيفُ مزدحما.. وكيف يكون الشتاءُ فاخرًا
وعرفنا أن الليل هنا ساحر.. والفجر آسر
وتذوقنا في اختباراتِ آخر العام الشقاء!!
وجلسنا أمام شاشاتنا في نهائياتِ الكرة (القرفصاء)
وعرفنا رائحة الحبر في جرائد الصباح
واستشعرنا سُرعة الاتصال في كل بيتِ ومكتبِ وخباء!
شربنا القهوة مع التمر يُحليها
ورقصنا العرضةَ في الأعياد
وقبّلنا هاماتِ شيوخنا
ودعونا لابن باز بالرحمة
وللربيعة بالتوفيق
وللشقيري بالاستمرار
ولأبي متعب بطول العمر.
وسجدنا حمدًا بعد الخوف.. وبعد النصر.. وبعد النجاح
وكُنا إخوة..
تجمعنا مملكة جرّبنا فيها كل شيء..
وأحببنا بالفطرة كل شيء..
حتى التراب!
.
.
